سيمفونية القبر الجماعي

اليوم، التاسع من أيلول، قبل أربعة عشر عاما، كُتبت هذه القصيدة،

بعد اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين، عام 2002.
غرّدْ …
غناؤكَ – أتلعثمُ – مطربٌ … هذهِ الأيامْ
إنـّا لنعشقُ الطربَ الْ – أتلعثمُ مرةً أخرى – الأصيلْ
والطريقُ بينَ (هزّي يا …)
و (سكابا يا …)
أيا وطني … طويلْ
ولكنْ، أنّى تأتيهِ …
فجهةُ الهزِّ مغلقةٌ …
وهذا الدربُ منها يبدو
مستحيلْ
ودموعُنا الحرّى …
وكذلك القرّى
شيءٌ
ليسَ كالنفطِ ذليلْ
قَدَراً
لا بدّ أن
تغسلَ الصدأ الثقيل
* * * * *
غرّدْ …
غناؤك مطربٌ
– تَخِزُني لسماعِكَ
وتُخزيني المرارةُ –
هذه الأيامْ
كنـّا
– لا نستكنُّ للوخزِ
والخزيِ –
نعشقُ الطربَ الأصيلْ
ولكنْ …
كلُّ التراتيلِ …
وكلُّ القراءاتِ التي لا عدّ لها …
وعَذْبُ الكلامْ
وأجراسُ الكنائسِ، أبداً،
تفشي السلامْ
وأبواق المساجد يقظى، أبداً،
لا تنامْ
كلها صلّتِ العصرَ جماعهْ …
قدّامَ محرابكَ
صلينا جماعهْ
وتحتَ ناقوسكَ
صلينا جماعهْ
بلا وضوءٍ …
أو ركوعٍ …
أو سجودْ
عزَّ ماءٌ …
وأصبحتْ
صعيداً طيّباً
أرضُ المخيّمْ
واجتاحنا ألمُ الصمودْ
* * * * *
وجاءتِ الصليةُ
عند صلاة الصبحِ
جاءتِ الصليةُ
ما أحكم التصويبْ!
بين الفاتحةِ – جاءتِ الصليةُ – والأبانا
فغطّتِ المحرابَ والناقوسَ،
عندَ عناقِ المهدِ والأقصى، دمانا
* * * * *
تلعثمَ الراهبُ
واعترضتْ شوكةٌ حلقَ الإمامْ
بين الركوع والأبانا والقيامْ
كلاهما فقد السلامْ
فانقطع الوصلُ،
وانسلّ من الصدرِ الخشوعْ
وجاءت التكبيرةُ الثالثةُ
ملآى
ولكنْ بالشتيمة
نفثتْ
غضبا وإصرارا وعزيمهْ
على رأس زعاماتٍ
بغايا
تُتقنُ العهرَ
أدمنَتْ غسلَ آثارِ الهزيمة
* * * * *
كانتِ التكبيرةُ الأولى
لصحابي منَ الله قريب
جاءتِ الأخرى
للمسيحِ
على الصليب
والثالثةُ تَعمَّدت
بصليةٍ
أسْكَتَتْ صوتَ النعيبْ
* * * * *
أصمتْ …
يا ابنّ الطُغَمِ المومسِ
فصوتُك
أضحى عورةً
ما انفكَ يغنّى
للهزيمهْ
وصمتُك أضحى نعمةً
لو تعْلم … عظيمهْ
ونعالُ أطفالِ المخيمِ
ترفضُ القيدَ
وتراكَ على النعلَ شتيمة
* * * * *
أيّها الشعبُ المؤزرُ بالغمامْ
غرّد
فأنتَ الذي
غناؤُكَ مطربٌ هذهِ الأيامْ
ويا حناجرَ الشهداءِ اصدحي
بالطربِ الحبيبْ
فالفرجُ الموعودُ أضحى،
كالظفرِ للّحمِ، قريبْ
فغرّدْ
وافتحِ القبَر جماعياً
فالشهداءُ كالأحياءِ
يوارَوْن جماعهْ
ويصلّون
الصبحَ والمهدَ جماعهْ
غرّدْ
وافتحِ القبرَ جماعياً
وانتصبْ
شامخاً كالماردِ
كالعنقاءِ منْ وسطِ الرمادْ
غرّد الآنَ
لا تبكِ!
فالدمعُ نضيبْ
لا وقتَ للدمعِ
لا وقتَ للعدِّ
لا وقتَ للترتيبْ
غرّدْ
وافتحِ القبرَ جماعياً
وغرّد
دقّتْ ساعةُ الفرجِ القريبْ
غرّدْ
أزِفَتْ آزفةُ القصور الزانية
لندُكَّها
على رؤوسِ حكامٍ
بغايا
غرّدْ
ليبقى
دم التسبيحِ والمحرابِ
والمآذنْ
مع دمِ الناقوسِ والأبانا
والصليبْ
في عناقٍ شاملٍ
أبديٍّ مهيبْ

By د. محمد هيبي

أستاذ اللغة العربية، كاتب وناقد أدبي. ولد في 5/3/1952 في قرية كابول، في الجليل الغربي، القريبة من "ميعار" المهجرة، مسقط رأس والده الشاعر الشعبي الفلسطيني، أحمد محمد هيبي (المعروف بالكشّوع أو أبو عصام الميعاري). هُدِمت ميعار وشُرّد أهلها في النكبة الفلسطينية عام 1948.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *